موجزات وشذرات بحثية علمية من رؤى تجديدية

بسم الله الرحمن الرحيم 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يحيى أحمد صالح سفيان
29 جماد أول 1443 هجرية
الموافق 2يناير 2022م
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما زلتُ بصدد استكمالها وهذه الموجزات جمعتها من ذلك ورَكّبْتُها لتكون مقالاً علمياً صحفياً فقلتُ : إن أي خطأ وخلل واستبداد وعدوان وبغي داخل الذات الإنسانية في ما بين أجزائها هو المبدأ لكل خطأ وخلل واستبداد وعدوان وبغي على الواقع الإنساني كان ذلك من هوى النفس والأمارة بالسوء او من خارجها من شياطين الجن والإنس الذين بكل نشاطاتهم يستهدفون اجزاء الذات لتحقيق العدوان والبغي بين اجزاء النفس ( الذات البشرية ) فيكون السلوك الخطأ والمنحرف والعدواني والاجرامي في حق الخالق جل جلاله وفي حق مخلوقاته ، والفِطرة بكل مستوياتها هي الحالة الربانية التي بها فَطَرَ الخالق جل جلاله بني الإنسان عليها والمُمَكِنِة للإنسان أن يحيا حياة الخلافة في الأرض كاستحقاق قانوني رباني وبهذا فهي الدين كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( الإسلام دين الفِطرة ) والدين من الله جل جلاله أنعم به على العباد عدلاً منه جل جلاله ورحمة ولطفاً بهم فأبتعث الأنبياء والرُسُل صلوات الله عليهم بكتُبه جل جلاله حينما كان من الناس الخطأ والحماقة والجرأة والتعدي على بعضهم البعض والفسوق والعصيان والشرك بالله والكُفر به حتى وصل الانحراف إلى أن ساد الخروج من عبادته جل جلاله وتوحيده الى عبادة غيره من مخلوقاته والشرك به فابتعث الانبياء والرُسُل لإعادة الناس الى فطِرَتِهم إلى عقيدتهم الى شرائعهم الى أخلاقياتهم الى آدابهم الى علومهم التي انعم الله بها جل جلاله عليهم لحييوا حياة الرُشْد والصلاح والفلاح وحينما لم يَسْلَم حتى دينه جل جلاله من العدوان وكان التحريف لبعض نصوص بعض كُتُبه سبحانه وتعالى أوحى جل جلاله عن طريق جبريل الأمين سلام الله عليه بخاتم الكُتُب السماوية والدين الحق إلى خاتم الأنبياء حبيبه ومصطفاه ورسول رحمته جل جلاله الى العالمين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم وأخبر جل جلاله بحفظه من التحريف فالدين دين محمد وآل بيته المعصومين أئمة الرحمة إلى العالمين صلوات الله عليهم شاء من شاء وأبى من أبى والمؤمنون من عهد الصحابة رضوان الله عليهم إلى يومنا هذا وإلى ما شاء الله متفاوتون في القرب منهم وفي البُعد عنهم سلام الله عليهم والصلوات وسيظْهِر الله جل جلاله خاتم الاديان ودين الحق على الدين كُلِه قال تعالى ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ) الفتح (28) ، وقال تعالى ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) الصف (9) ، وقال تعالى ( وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) الجاثية (22) ، وقال تعالى ( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) المدثر (38) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لقد ظهر لي بعد فترة من الدراسة وما زلت حتى اللحظة مستمراً في ذك وبعد تأمل وبحث أن النفس البشرية تتكون من أجزاء محددة وقد جبل الله سبحانه وتعالى كلً مِنْ أجزائها وفَطَرَها على نظام وفي مجموع تلك الأنظمة الدقيقة لكل جزء تتكون منظومة العمل لجملة اجزاء الذات بنظام دقيق رباني لا يمكن أن نعرف ذلك النظام بشكل كامل وتام وتلك الوظائف لكل جزء دفعة واحدة وفي عصر واحد ومن جيل واحد إذ أنه من اعظم الاسرار الربانية الدالِّة على عظمة الخالق وحكمته المتعالية جل جلاله في حُكمه في كل ما خَلَقَ الذي لا يشرك فيه أحدا جل جلاله وأراده لكل شيء كما هو أيضاً في خلق الإنسان بصورتيه المادية والمعنوية وما فيهما من اسرار ربانية في خِلقتيهما وعلاقتهما ببعض وبالروح الدالِّة على عظمة وحكمة الخالق سبحانه وتعالى وعدله ورحمته ولطفه فما يتكونان منه تلك الصورتيْن من اجزاء والأجزاء من اجزاء وهكذا حتى وصل الإنسان إلى معرفة شيء قليل عن اجزاء الصورة المادية ( الجسم ) والمعنوية (النفس – الذات) للإنسان وإن كانت الجهود في معرفة الصورة المعنوية بالنسبة للمختصين من ابناء أمتنا الإسلامية لم تحقق ما حققته الجهود في معرفة الصورة المادية فكان التقدم المذهل في العلوم الطبية بكل تخصصاتها حتى اصبح عشرات التخصصات وسيصبح مئات التخصصات وسيزداد التخصص كلما تقادم الزمن بعد أن كان هناك طبيباً يعالج الإنسان من كل أمراضه البدنية .
إن ذلك التقدم في العلوم الطبية لم تكن الَّا بعد معرفة الإنسان للدماغ ومكوناته والخلية الدماغية والدم ومكوناته وما فيها من اسرار علمية والاعصاب والخليِّة العصبية والدهون والخلية الدهنية والعظام والخلية المتكلسة العظمية والجلد والخلية الجلدية والعيون ومكونات العين وكل عضو وجهاز في الجسم الذي وصلت الاجزاء ومركباتها من الأجزاء واجزاء الاجزاء إلى مليارات الخلايا في مخلوق هو الإنسان يتراوح وزنه 2 كيلوا عند ولادته إلى أن يصل الى الـ 50 الكيلو والـ 100 والـ 150 كيلوجرام وهو مكتمل جسمانياً ونفسياً من الناحية البيولوجية وشرعاً وقانوناً وقد عرف الإنسان أيضاً وظائف تلك الاجزاء لكبيرها وصغيرها ، وفي ظل عدم المعرفة الحقيقية الواسعة والعميقة لأجزاء النفس ( الذات البشرية ) ووظائفها الفيسيولوجية وعلاقتها مع بعضها البعض وما يصدر عن ذلك من تفكير( فسيولوجيا ) وسلوك (سيكولوجيا ) إيجابي بما تكون عليه من حالات الاتزان والاستواء والسلامة أو سلبي بما تتعرض له تلك الاجزاء من سقطات وانحطاطيات شيطانية و(أمراض) فقد أدى إلى أن تخلَّفت الأُمة عن علم النفس كثيراً وعن تطبيقاته الكثيرة والهامة وعلى سبيل المثال تطبيقه في تفسير التأريخ الذي يُعتبر بكل مراحله اكثر القضايا التي قد اختلفة مكونات الأمة على حقيقة حقائقه وتفاصيلها والتأريخ بكل تفاصيله هو عبارة عن عمليات تفكير وأقوال وأفعال صادرة عن الإنسان بمختلف مستوياته وكذلك في تفسير الحاضر وتفسير كل ما هو آت على مستوى الافراد والجماعات والشعوب والدول فإذاً حينما نريد تفسير الفعل التاريخي الماضي والفعل الحاضر الذي نعاصره ولأي مستوى من المستويات الإنسانية في صورته الإيجابية والرائعة والجميلة والإيمانية الحضارية وفي صورته السلبية والقبيحة والمنحرفة والغير حضارية فلابد من النظر الى النفوس بصورتيْها قال تعالى ( …… وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ……. (21) الذاريات ) وهنا نتناول الإبصار في الصورة المعنوية لتأخر الناس في ذلك ولم يحققوا فيه ما حققوا في الابصار الى (الجسم ) فأقول بداية أن أي خطأ وخلل وعدوان وانحراف وبغي داخل الذات (النفس البشرية المعنوية ) في أي مستوى من مستويات الانسان وفي أي مستوى من مستويات واقع الانسان هو العِلّة في تَحَوِّل ذلك الى سلوك خاطئ ومواقف فساد وإفساد على الواقع كما هو العِلّة في تحول ذلك الى سلوك ومواقف وتراكم للفعل الحضاري الايماني على الواقع الإنساني حينما تكون اجزاء الذات الإنسانية كما جبلها الله بفطرتِها وهو حال المعصومين أئمة الرحمة إلى العالمين سلام الله عليهم ومن معهم من الأتقياء المتفاوتين في التقوى والفطرة وبالتالي القرب والبعد من المعصومين وهكذا ومن هذا المجال ( منهج علم النفس الإسلامي – بحث علمي ما زلتُ بصدد استكماله ) الى استدلالات أخرى تفَسِّر المواقف التاريخية التي كان لها دور كبير وعميق في تشكيل الوعي سلباً او ايجاباً وكان لها دور في التحولات الهامة والخطيرة والمصيرية في مختلف شؤون الأمة كان ذلك من اقوال وأفعال وصنائع أفراد أو جماعات أو سلطات او شعوب .
فإذا تناولنا الجانب السلبي والسيئ والمشوه والمنحرف من واقع الأُمة ماضياً وحاضراً الذي قلتُ وهو معلوم أنه نتاج ما يعتمل في النفس ثم صار ويصير سلوكً ومواقفً على الواقع المعاش فنستطيع القول أنه حينما يبتعد العباد عن هدى رب العباد ويقتربون من اهوائهم وحينما يبتعدون عن كتابه العزيز وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وعن الأئمة الطيبين الطاهرين المعصومين أئمة الرحمة الى العالمين سلام الله عليهم وعن النجوم والاتقياء والفضلاء من علماء الامة الَّا من رحم الرحمن الرحيم فحتماً يقعون في أوهام الشياطين وأهواء النفس والجهالات وبالتالي المفاهيم المغلوطة للمفاهيم التي بها تنتظم الحياة في جميع الميادين وبالتالي الخلل في نفوسهم وعدم انضباط اجزاء النفس في عملها كما جبلها الخالق جل جلاله بفطرةٍ الناس متفاوتون فيها ، ومعلوم كيف كان الناس في الفترات التي لا يكون فيها نبي او رسول او نبي ورسول صلوات الله عليهم أو حينما تطول الفترة بين كلٍ منهم حتى يصطفيهم الله جل جلاله من بين الناس .
ومن تلك الجهالات والمفاهيم المغلوطة الى جانب ما ينتج عن ذلك من المعاصي والآثام يزداد الخلل في النفوس ويتعاظم الصراع الداخلي إلى أن ينتهي إلى أن يستبد جزء أو أكثر من اجزاء الذات البشرية بالأجزاء الاخرى ولا يكون على الواقع الَّا الإفراط والتفريط ، وفي كتاب الله العزيز الآيات الكثيرة التي تشير الى مثل هذا الخلل النفسي في كل من اجزاء النفس الذي كانت تصاب به الأقوام بمختلف مستوياتهم وما زال بني الإنسان يصاب بمثله والمتدبر يجد ذلك غالباً في ما تنتهي به تلك الآيات التي أخبرت بذلك عن الاقوام السابقة وهو ما ينطبق على اجيال الحاضر وعلى الآتيين بعدنا بمثل معنى ( لا يعقلون – لا يفقهون – لا يفقهون الَّا قليلا – لا يذكرون – لا يشعرون – لا يعلمون – لا يبصرون مع ان لهم أعيُن – لا يسمعون مع أن لهم آذان – لا يهتدون – لا يشكرون – لا يقدرون على شيء مما كسبوا – ويمكرون – ويخدعون انفسهم – يضلون أنفسهم – يخفون في أنفسهم – يزكون أنفسهم – يختانون أنفسهم – يهلكون أنفسهم وما يشعرون – يوسوسون في بعضهم بعضا – في قلوبهم مرض – في قلوبهم زيغ – في قلوبهم القسوة – قلوبهم غُلف – لاهية قلوبهم – يتبعون أهوائهم – معتدون – كافرون – فاسقون – ظالمون – منكرون – صم بكم عمي لا يرجعون وكل هذا وغيره ليس الَّا احوال مَرَضِيِة وأنواع من أشكال الانحرافات التي وقع فيها الناس وهم من ظلموا أنفسهم ، بالإضافة إلى ما يزيدهم الله جل جلاله من مرض إلى مرضهم جزاء عنادهم وإعراضهم ومحاربتهم للحق كما تخبرنا بعض الآيات في كتاب الله العزيز بأن الله جل جلاله ( يطبع على القلوب – يجعل على القلوب أكنة – يختم على القلوب – يزيدهم الله مرضا – يسلك في القلوب الخوف وغير هذا من العقاب والعذابات التي ينالها بعض الناس ) الى حد ان ينتهي الصراع بالانفراد ويصير السلوك والمواقف تابعة لجزء من اجزاء النفس (الذات البشرية ) او لأكثر من جزء ويكون الحال سيئاً وخطيراً حينما تكون الاجزاء التي استبدت ببقية الاجزاء في حالة الانحراف والافراط والتفريط فكلما بغى جزء من أجزاء الذات الإنسانية واستبد ببقية الأجزاء نتيجة لمستوى اختراق ابليس والشياطين لأي جزء من تلك الاجزاء ونتيجة لاتباع الهوى ووهم الشياطين الذي يتوجهون به الى العباد وتحول كل ذلك الى سلوك ومواقف على الواقع فيصير في توسع الى حد أن يستفحل الامر في الاقوام والشعوب شروراً وفساداً وإفساداً كما هو الواقع في حاضرنا وكان كذلك على امتداد تأريخ أمتنا الإسلامية والانسانية وإلى أن كان يخرج العباد من عبادة رب العباد الى عبادة العباد لبعضهم بعضا والى عبادة الحجر والشجر والنجوم ومما يصنعون والى عبادة الدرهم والدينار والشهرة والجاه والسلطان ويقتلون بعضهم بعضا ظلماً وعدواناً وبغياً واستكباراً ويستحلون كل الحرمات ويهينون كرامة بعضهم بعضا باستغلال الإنسان للإنسان وبأبشع الطُرُق واساليب الاستغلال والاستعباد وهذا هو الحال الذي كان عليه الاقوام في الفترات التي كانت ما بين كل رسول ونبي ، ونبي ورسول آخر او بين كل نبي ونبي او رسول ونبي صلوات الله عليهم اجمعين وفي ذلك العِلّة في الاصطفاء لهم صلوات الله عليهم ولأوصيائهم ومن امتحن الله قلوبهم للإيمان من الرجال سلام الله عليهم والعلة في عصمتهم صلوات الله عليهم وعصمة اوصيائهم سلام الله عليهم هي عِلّة لاصطفائهم لإصلاح تلك الاقوام والمجتمعات وإعادتهم إلى توحيد الله جل جلاله والى شرعه وأخلاقه وآدابه وعلمه الذي لا يستوعِب كل هذا بكماله وتمامه الَّا معصوم .
فلا عودة الى فِطرة في الذات الإنسانية والى مستوى مقبول من مستوياتها في واقع الحياة بدون العودة الى المنهج الرباني الحكيم وبالتالي فلا واقع مستقر وآمن وإيماني وإنساني وحضاري إلَّا بعودة النفوس الى فطرتها التي هي العودة الى الله الى توحيد الله الى شرع الله الى أخلاق الله الى آداب الله وعلمه جل جلاله إلى عبادته وابتغاء مرضاته في النوايا والأقوال والأفعال ولا يمكن العودة الى كل هذا ما لم نعلم ونحيط بولاية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي هي ولاية اوصيائه والرجال الذين امتحن الله قلوبهم للإيمان والتي هي ولاية الله جل جلاله وهذا هو ما يبني الإنسان وحضارته على الارض كخليفة أستخلفه الخالق جل جلاله فيها وعلى مستوى الدولة والمجتمع وهو نور يسير به الناس جيلاً بعد جيل في حياتهم الدنيا الى يوم القيامة والناس قد كانوا بذلك ممتحنون وفي اختبار ولمّا وصل العدوان الى المساس بما أوحى الله جل جلاله كان أن ارسل جل جلاله حبيبه ومصطفاه خاتم الانبياء وسيد المرسلين صلوات الله عليه وعلى آله وسلم رحمة للعالمين من الله سبحانه وتعالى ورحمة للعالمين أي قد اقتضت حكمة الخالق جل جلاله وعدله وفضله على العباد أن يكون ما جاء به النبي الخاتم صلوات الله عليه وعلى آله وسلم هو الدين الذي يستوعب وإلى يوم القيامة قضية اصلاح كل البشرية من داخل نفوسهم فيصلح ما في خارجها وهذا مصداقه قوله تعالى ( ……….إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ …….. ) سورة الرعد (11) والتغيير المطلوب دائماً هو العودة إلى الفِطرة الى الله الى دين الله على واقع الناس .
وذلك الدين الذي يستوعب وإلى يوم القيامة قضية إصلاح كل النفوس البشرية محفوظ بحفظ الله من أي تحريف كما تخبر الآية في قوله تعالى ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر(9) وقد قام حبيب الله ومصطفاه وسيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم بالتبليغ للرسالة وتأدية الأمانة وجاهد حق الجهاد وأصلح في النفوس حتى عاد من حوله من الناس الى فطرتهم بتأثير عجيب ومدهش حتى اتهمه صلى الله عليه وآله وسلم كفار ومشركي قريش ومحيطها بالسحر للتأثير الكبير والعميق على من كان يلتقي به صلى الله عليه وآله وسلم ويسمع منه وما مات صلى الله عليه وآله وسلم الَّا وقد ترك للناس كتاب الله وعترته سلام الله عليهم بهما لا يضل الناس بعده أبدا كما ورد في الرواية الشريفة ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً : كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ) فقام من بعده الاوصياء المعصومين سلام الله عليهم والنجوم من آل بيت النبي وكل العلماء الفضلاء والاتقياء من ابناء الأمة بالمهمة رُغم الواقع المُعَقّد والخطير الذي كان حاضراً في زمن كل معصوم وفي فترة غيبة المعصوم أجدُ أن يكون في مقامه الرجل الذي امتحن الله قلبه للإيمان سلام الله عليه وإلَّا كيف نفهم الرواية الشريفة عن الإمام الصادق لحديث ( اول ما خلق الله الخلق ) ثم ورود ذكر الاخلاق جنود العقل اسماً وعددا …الخ الى قوله : ولا تجتمع الَّا في نبي مرسل او رسول او وصي او رجل امتحن الله قلبه للإيمان – او كما قال .
وتلك الاخلاق أجد أنها ليست إلَّا أُمهات الأخلاق الوارد ذكرها عدداً في رواية أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنها بضعة عشر وثلاث مئة خُلُق وهي رواية فيها من اسرار العلم ما يدهش العقول ويثلج الصدور ويثبت القلوب ، وهي ما ورد ذكرها بالإشارة وإجمالاً من دون تحديد عدد ولا تعيين اسم في كُتُب الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق ) ولنلاحظ هنا كيف ان النبي قال (لأُتمم ) ولم يقل ( لأُكمل ) فالكمال شيء والتمام شيء فقد يكون لديك اشياء مكتملة من حيث عددها او اصنافها لكنها ليست تامة في كميات وكيفيات كل شيء منها فكمال الاخلاق موجود في الانبياء والرسل صلوات الله عليهم وضمن نبواتهم ورسالاتهم والشرائع التي ارسلهم الله جل جلاله بها وبلَّغوها والتمام قد جاء به خاتم الانبياء وسيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم وتمام ذلك له علاقة بتوسع دائرة شرعه صلى الله عليه وآله وسلم فالعلاقة بين الاخلاق والشريعة علاقة عضوية وتداخلية فيها أحوال التلازم والتوالد والسببية ومحلها من الدين العقيدة والدين الشريعة والدين الآداب والدين في العلوم محل الدم من جسم الإنسان – وبالعودة الى رواية الإمام الصادق سلام الله عليه نجد ورود الاربعة الفئات من أولئك البشر قد كان بالمفرد ( نبي – رسول – وصي – رجل أمتحن الله قلبه للإيمان : فالنبي والرسول معلومين محددين بالاسم في آيات كتاب الله العزيز وورد ذكرهم عدداً في الرواية الشريفة والوصي مفرداً لأنه قد ورد بهم روايات تذكرهم عدداً واسما ، والرجل ورد مفرداً وذلك تحديد للجنس ولا يعني الواحد من الرجال إنما للتخصيص باجتماع الاخلاق كاملة وتامة بالرجال لأن من ذلك كان الاصطفاء للأنبياء والرُسُل والاوصياء والرجال الذين يمتحن الله قلوبهم للإيمان فكان بذلك الاصطفاء والأهلية لولاية الله ليكونوا في مقام المُغَيْب بالنيابة سلام الله عليه وعليهم وعجل الله فَرَجَه الشريف وما قام به آيات الله روح الله الإمام الخميني رضوان الله عليه قبل اربعون عاماً بالقول ( بولاية الفقيه ) إلَّا نموذجاً للولاية بالنيابة عن الإمام المُغيّْب .
إن حديث ( أول ما خلق الله الخلق ) – أو حديث الجُند كما يسمى عند البعض تعريفاً به ) رواية شريفة فيها من العلم الشريف واللطائف والدقائق والنُكَت ما يجذب طلَّاب العلم والباحثين والعلماء والأدباء وهو من الروايات التي أُهمِلَت من وقت مبكر لتدوين السنة المطهرة لأنها رواية لها علاقة بعلم النفس وبعلم الأخلاق والأخلاق لها علاقة بالعصمة بل هي اساسها وشروطها ولعلاقة الاخلاق ايضاً بالاصطفاء والولاية ، وفيها أي الرواية من الفلسفة والعرفانية ما يجذب أهل الفلسفة والعرفان والتصوف وقد تعرض بعض سادتنا العلماء لشرح ذلك وقَدّموا للأُمة في شروحاتهم تلك حقائق ودقائق ونُكَت ولطائف فلسفية وعرفانية نفيسة .
قلتُ : والرواية أيضاً كما أشرتُ تتكلم عن الاخلاق التي تحقق العصمة والاصطفاء وبروايات أخرى خاصة بالأخلاق تكتمل المسألة نظرياً في علاقة ذلك بولاية النبي والرسول والوصي صلوات الله عليهم التي هي ولاية الله جل جلاله والرجل الذي امتحن الله قلبه للإيمان الذي ولايته هي أيضاً ولاية الله بالنيابة عن المُغِيّْب عجل الله فَرَجَه الشريف وكذا علاقة الرواية بنظرية الحكم في الإسلام وما فيها من تنظيم وترتيب لكل المقامات والولايات والمناصب والوظائف في الدولة الإسلامية ودورها التربوي ولأن هذه الرواية تتحدث عن كل هذا ولها علاقة في كل هذه الأمور فقد أُقصيَت وأُهْمِلَت من وقت مبكر من تاريخ الإسلام كما قلت وفي واقع السائد فيه وعلى مستوى الدولة والمجتمع هو استحلال الحرمات من اعلى هرم تلك الدول حتى صار الكلام عن الأخلاق التي هي شرف كل إنسان المؤمن وغير المؤمن والذكر والأُنثى والمنظِمة لعلاقات الافراد والجماعات والسلطة بالجماعات والشعب أمرً يثير السخرية ورواية كهذه مناقشتها من وجوه الفلسفة والعرفان آنذاك صار زندقة وجريمة يُعَاقَب عليها ومع تقادم الزمان صارت من المنسيات والمجهولات والغريبات عند أغلب ابناء الأُمة حتى في الاوساط العلمائية وإلى جانب روايات أخرى أبرزها ما يتعلق بنظرية الحكم في الإسلام فروايات كهذه قد لاقت الإقصاء القسري ولاقى من يرويها أشد أنواع التنكيل وحتى وقتنا الحاضر فمن يخوض في ذلك مُسَلِماً بصحة تلك الروايات التي لا تخالف العقل والمنطق والعلم والفِطرة ونصوص الكتاب العزيز والرواية الشريفة فهو مجوسي إيراني أو طائفي مع أن ذلك من دين الله وليس من الأعراف والتقاليد الإيرانية الخاصة بالشعب الإيراني ولا مُبْتَدَع وعن هواء قد يحقق مصالح لطائفة أو مكون من مكونات الأُمة بل بذلك تتجلَّى حكمة العزيز الحكيم سبحانه جل جلاله حينما نجد أن بذلك يستقيم أمر الأمة على أسس ونظام حضاري شامل دقيق يخدم مجموع الأمة وتتمكن الأُمة من أن تكون خير أُمة أُخرجت للناس ولكن لمّا كان لذلك هذه العلاقة المحورية المهمة بوجود الأُمة وبنظام دولتها الذي يحقق حاكمية الله جل جلاله وبشروط وصفات من يحكمها وبشروط وصفات رجال دولة من يحكمها بمختلف مقاماتهم كان ما كان من الأخطاء والزيغ والانحراف والتمرد والنكران والجحود والمحاربة والإجرام والإرهاب فكان من البديهي ومن وقت مبكر من تأريخ الأُمة الإسلامية أن تروى تلك الروايات الشريفة بطُرُق سريِّة أحادية السند وأحادية الرواية من طريق المذهب الواحد ولأن الله جل جلاله قد حفظها بطُرُق رواياتها الأحادية حتى وقتنا فما زال الفِكر الذي حاربها قديماً بمختلف أساليب المحاربة وعلى امتداد التأريخ الإسلامي لم يزل يحاربها إلى اليوم بحجة أنها روايات او أحاديث ( آحاد ) والآحاد غير ملزمة للآخرين الذين لم ترد في مصادرهم وكتبهم بل هي أحاديث ضعيفة وموضوعة من وجهة نظرهم فحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة الَّا بالله العلي العظيم .
وإذا كنَّا هنا قد تعرفنا على كيف أن اغلب مكون الأمة الإسلامي قد أقصى هذه الرواية وغيرها حتى صارت روايات واحاديث غريبة كغربة الإسلام في بدايته وعرفنا لماذا كان كل ذلك ولو بشكل غير مستفيض فلنعرف أيضاً أن مذهب الإمامية الاثني عشرية وبالنسبة لرواية ( الجُند او – اول ما خلق الله الخلق ) فقد حفظها المذهب كرواية ووقف عليها سادتنا العلماء وتعرضت لشروحاتهم لاستخراج ما فيها من علوم جمة كما حفظ المذهب الكثير من الروايات المتعلقة بأهم القضايا في حياة الأُمة ذلك المذهب الذي لم يواجه أي مذهب غيره ولا طائفة ما واجهه على امتداد التأريخ الإسلامي من القتل والحرق والصلب والسجن والتعذيب والحصار والتشريد والتجويع والتخويف والمطاردة والشتات والغُربة بل لم يقع مذهب ولا طائفة إسلامية تحت مجهر سلطات الجور والعدوان والبغي كما كان مذهب الإثنى عشرية على مدى الف واربع مئة عام ولم يكن له خلال كل هذا الزمن أي دولة الى ختام سبعينيات القرن الماضي حينما جاءت الثورة الإسلامية الإيرانية ثورة العلماء والشعب بقيادة آيات الله روح الله الخميني سلام الله عليه ، وبالعودة الى الرواية قد لفت انتباهي أنني لم أقف على جهد علمي ناقشها أي من العلماء او الباحثين من جهة علاقاتها بالاصطفاء والعصمة والولاية العامة وما يتفرع عنها من ولايات ونظرية الحكم في الإسلام فإن كان ذلك الجُهد العلمي قد خلَت منه كل البحوث الصادرة عن المتقدمين والمتأخرين فحقاً أن نتساءل ونقول لماذا ؟ وإن كان قد قدّمه أحد أو بعض المتقدمين أو المتأخرين ولقلة قراءتي واطلاعي لم يكن ضمن ما قرأته وأطّلعتُ عليه فلي عذري ولي الحق في ان ادلي بأفكاري ابتغاء مرضاة الله جل جلاله ولن يخلو ذلك من فائدة ، وليعذروني أيضاً كل من أطلعوا على كتاباتي وتصل إليهم ومؤلفاتي وأبحاثي وقرأوا في ذلك ووجدوا أي وجه من وجوه الركاكة في صياغة الأفكار لغوياً وفي وتركيبها وكان إيصالها اليهم على نحو قد يُعاب من حيث البناء فالراجي عفو ربه الكريم جل جلاله عسكري خريج الكلية الحربية ودراساته التخصصية عسكرية ولم اتلقى عن شيوخ العلم في حلقات العلم بالمساجد والاربطة والزوايا والحوزات العلمية وكذا في الجامعات للدراسات الإسلامية .
ونستمر في طرح التساؤلات التي يمكن أن تطرح بشأن تلك المسائل والقضايا المهمة والمحورية في حياة الأُمة لتحقيق إجابات تقف بناء في طريق الحق كأن نتساءل عن : كيف اجتمعت الأخلاق في اولئك من بين كل الناس في مجتمع وزمن كلٍ منهم ؟ والى ماذا اخذ بهم ذلك الكمال والتمام صلوات الله عليهم ؟ وما هو ذلك الامتحان الذي يمتحن الله به الرجل المشار إليه في الرواية الشريفة وأمثاله ؟ وإذا كان الاوصياء ظاهرين قد أظهرتهم النصوص أسماءً وعدداً ومواقفاً وصفاتاً ومقامً فكيف كان يمكن ظهور الرجال الذين امتحن الله قلوبهم للإيمان والوارد ذكرهم في حديث ( الجُند أو حديث اول ما خلق الله الخلق ) ؟ وهل ظهور أولئك الرجال الذين امتحن الله قلوبهم للإيمان المشار اليهم في الرواية كان ضرورة من بعد الغَيْبَة ؟ ولماذا لم يظهر منهم رَجُل ؟ وهل طريق الثورة هو الطريق الوحيد لظهور الرجال الذين أمتحن الله قلوبهم للإيمان أم بأكثر من طريقة ؟ وإن كان بأكثر من طريقة وآليه فما هي ليعرف علماء الأُمة وخواصها من امتحن الله قلبه للإيمان في كل زمن في فترة انقطاع الظهور ؟ وهل هناك معايير وشواهد تميز الثورة التي تظهر الرجل الذي امتحن الله قلبه للإيمان ليكون الفقيه الإمام بالنيابة عن الإمام المغيب سلام الله عليه والصلوات وعجل الله فَرَجَه الشريف ؟ وهل مجموع قلوب المؤمنين ممتحنة للإيمان ؟ وما الفرق بين الرجال الذين امتحن الله جل جلاله قلوبهم للإيمان والمشار اليهم في الرواية وبقية المؤمنين الممتحنين ؟ وما الفرق بين امتحان القلوب للإيمان وامتحانها للتقوى لورود خبر الامتحانيْن بنص الكتاب والرواية الشريفة ؟ ولماذا ذلك الترتيب لأولئك البشر الوارد ذكرهم في الرواية ( نبي – رسول – وصي – رجل أمتحن الله قلبه للإيمان ؟ وما الفرق بين عصمة النبي والرسول والوصي والرجل الذي أمتحن الله قلبه للإيمان ؟ وإذا كانت عصمة الزهراء سلام الله عليها والصلوات ثابته فما هي عصمتها وما هو مقامها الشريف وعلى ماذا قام ؟ ولماذا نجد مكونات مذهبية قد حصرت شروط ( الولاية ) بجملة من الشروط الأخلاقية مع أن كل تلك الشروط لا تؤمِن ولاية من ولايات خاتم الأنبياء ورسول الرحمة الى العالمين صلى الله عليه وآله وسلم التي تتفرع مباشرة من ولايته العامة ولا تضمن القيام الامثل للمهام والمسؤوليات في تلك الولاية او تلك ؟ ( ولهذا أقول بشروط الولاية العامة بأنها خمسة وسبعون شرطاً أخلاقياً كما ورد في الرواية الشريفة وعدداً واسما وهي أمهات لبضع عشر وثلاث مئة خُلُقاً كما ورد في الرواية الأُخرى عددا – وفي هذا وغيره مما أوردته في مقالي هذا من رؤوس اقلام وعبارات اجمالية تفاصيل ستكون في محلها من البحوث التي أشرتُ إليها إن شاء الله ) .
إنها أسئلة من حق أبناء الأُمة الإسلامية أن يجدوا الإجابات عليها وتلك الإجابات لا تأخذ بنا إلَّا إلى رُؤى تجديدية في إثبات العصمة وفي مفهوم الإمام والإمامة والخليفة والخلافة ونظرية الحكم في الإسلام (ولاية حبيبه ومصطفاه وسيد المرسلين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم التي هي ولاية الله ) ( وهو ما اسعى للبحث فيه لإنجازه منذ 2008م وما توفيقي الَّا بالله سبحانه وتعالى ) على أُسس تضاف الى ما قد سبق من الاستدلالات من الكتاب والسنة وكل زيادة وتوسع في الأدلة العقلية والنقلية يتقدم بها العلماء والباحثون كلما تقادم الزمن نجدها تتسق مع ما قد اثبته وقدمه سادتي العلماء الجهابذة الأتقياء سلام الله عليهم من رُؤى ومفاهيم في كل مرحلة من مراحل تاريخنا الإسلامي جاءت بها النصوص الجلية نصرة للحق وإزهاق للباطل في هذا المسائل وغيرها من المسائل الخلافية ، والله أسأل حُسن التوفيق لمن يأخذون بأمتنا إلى التقريب بين مكوناتها وإلى الوحدة وتحقيق قدراً من العدل والعز والكرامة والمنعة والحُريِّة والتقدم والتطور في جميع ميادين العلوم في واقع يكون تمهيداً لدولة قائم آل محمد الإمام المهدي المُنْتَظَر من سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجورا سلام الله عليه والصلوات وعلى آبائه والله نسأل حُسن العاقبة إن العاقبة للمتقين .
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين البـررة الأَتقياء المعصومين سادات الدُّنيا والأُخْرى قُرَنَاء التَنْزِيل وخزنَة عِلم التَأويل جوامع الفضل والتفضيل على الإجـمال والتفصيل الّذِين افترض علينَا حُبهم وولائَهم فَمن والاهم فقد والاه أَعظم الَولاء ومن عاداهم فَقد عاداه أَكبر العداء وضرب مثلهم في أمته كسفينَة نُوحٍ من ركبها نَجى ومن تَخلّف عنها غرِق وهوى وأرضى اللهم عن أصحابه المنتجبين وعن أزواجه أُمهات المؤمنين وعن من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
المصدر : admin
المرسل : الناشر الناشر